التركيبة الاثنية في دارفور

 

من كتاب "السلطان على دينار"

ترجمة فؤاد عكود

  جغرافية دارفور

المجموعات الاثنية ذات النمط الحياتي المستقر

 

     الفور          المساليت      الداجو والتنجر

        

المجموعات الاثنية ذات النمط الحياتي البدوي وشبه البدوي

    الزغاوة  

  البديات  

    الميدوب

            

المجموعات الاثنية ذات النمط الحياتي المعتمد على رعي الابل

 

  الزيادية

 

    

المجموعات المستقرة ذات الأصول العربية

  بني فضل        المسيرية       المعاليا

       

البدو رعاة البقر

   الرزيقات  

     الهبانية   

      التعايشة   

 

     بني هلبة

 

      

   

جغرافية دارفور

تمتد دارفور تاريخياً من خط عرض 10 ْ شمالاً الى خط العرض  16 ْْ شمالاً، ومن خط لطول 22 ْشرقاً الى خط الطول 27 ْ شرقاً لتكون مثلثاً تمتد مساحته الى 450 ميلاً طولاً و350 ميلاً عرضاً في أوسع حدودها السياسية، وتشتمل على 140,000 ميلاً مربعاً بعد أن تم في عام 1952 تعديل الحدود الإدارية بين دارفور والمديرية الشمالية وذلك بضم 35,760 ميلاً اضافية الى دارفور عدا واحتيّ النخيلة والنطرون (غازيتة السودان 847؛ السودان المناخ 1953). دُمجت دارفور بصورة نهائية فقط في عام 1916 بعد هزيمة السلطان على دينار.

الحدود الطبيعية لـ دارفور واضحة المعالم حيث تمتد من الشمال الصحراء الليبية حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويمتد من الشرق حزام عريض من التلال الرملية التى تكون حاجزاً بينها وبين كردفان، ومن الجنوب يعيق وجود ذبابة التسي تسي من تحرك الحيوانات الى ما وراء بحر العرب. فقط في الغرب يلاحظ الاستمرار الجغرافي المشابه لجغرافية دارفور، مما يجعل الحدود هنا متفاوتة جوهرياً ومن ثم استدعى الأمر ، كما يشير الى ذلك " لامبن"، تحديدها عن طريق الأحداث السياسية بدلاً عن عوامل التربة والزراعة والمناخ Lampen: 177.

تاريخياً اتصلت دارفور بالعالم الخارجي عبر طريقين أساسيين: الأول، درب الأربعين الشهير بين أسيوط في مصر وكوبي التى كانت بمثابة العاصمة التجارية القديمة لـ دارفور. وتتوسط هذا الطريق محطات بين كل منها عدة أيام وهى جبل رملي (3 أيام)، والخارجة (يوم واحد)، وبلوك (يوم واحد)، وبرسي (يوم واحد)، والشب (5 أيام)، وسليمة (4أيام)، وبئر الملح (8 أيام)، والمزروب (يوم واحد)، وأخيراً كوبي (يوم واحد). أما الثاني فكان من طرابلس عن طريق جالو والكفرة الى وايتي حيث يتفرع الى فرعين، الغربي يسير الى وداي، والشرقي الى دارفور. وقد وفر هذان الطريقان اتصال دارفور بالشمال ومكناها من تنشيط التجارة التبادلية من جانب وأسهما، باعتقاد " لامبن" Lampen: 178، في انسياب الأفكار الثقافية والدينية من الشمال.

يمكن تقسيم دارفور الى أربع مناطق رئيسة : المنطقة الشمالية شبه الصحراوية؛ وأرض القوز في الوسط الشرقي؛ والسهول الطينية الجنوبية، والجزء الرئيس أو المركزي لـ جبل مرة. تتكون المنطقة الأولى الشمالية من منحدرات متدرجة تكسرها سلسلة جبال حيث تبرز الوديان التى تنمو بها الأشجار والشجيرات التى توفر مرعي جيداً، ويبلغ معدل هطول الأمطار أقل من 10 بوصة في العام وهو معدل يكفي لاعالة المراعي لكنه غير قادر بحال على اعالة الزراعة. وفي الشمال الشرقي لهذه المنطقة يقع جبل ميدوب وسط سلسلة تلال بركانية الأصل يقسمها العديد من الوديان الصغيرة. يبلغ ارتفاع جبل ميدوب حوالي 6,000 قدم ويتألف سكانه من البدو أو شبه البدو ويقتنون الابل يجولون بها جنوباً حتى الوديان العظيمة لـغربي دارفور مثل وادي أزوم ووادي باري حيث تتوفر المياه في موسم الجفاف، ويرتحلون شمالاً الى التربة الرملية حيث تنمو بعد سقوط الأمطار في المنطقة المعروفة بـ الجزو أنواع من العشب جيدة تستمر مخضرة حتى شهر ديسمبر، تمثل بيئة صالحة لرعي الابل بدون الاحتياج الى مياه اضافية.

أما المنطقة الوسطى لـ دارفور (فيما بين 14,30 ْ شمالاً و12 ْ شمالاً) فيقسمها المحور المركزي لـ جبل مرة، وتتكون الأرض الواقعة شرق الجبال من الرمال القارية أو القيزان. هنا يمارس السكان نمط حياة زراعية مستقرة، ويبلغ متوسط هطول الأمطار 12 بوصة في العام. ويسيل غربي جبل مرة عدد من الوديان التى توفر مصادر دائمة للمياه. وتعد هذه المنطقة واحدة من أكبر مناطق ازدهار الفور المستقرين في قراهم الممتدة على ضفاف الوادي، ومن أهم تلك الوديان وادي أزوم الذى يغذيه عدد كبير من الخيران بالقرب من زالنجى، على بعد خمسين ميلاً الى الغرب من جبل مرة، ويستمر في الجريان الى حوالي خمسين ميلاً آخر ليلتحم بوادي باري في مورني، ومن ثم يستمران في الجريان الى مسافة ستمائة ميل أخرى ليصب في بحيرة تشاد. جريان وادي أزوم موسمي عادة خلال فصل الأمطار بين ابريل وسبتمبر في قناة ضيقة تصبح بركاً متقطعة بمجرد توقف هطول الأمطار، لتجف البرك نفسها بحلول يناير تقريباً حيث يصبح الحصول على الماء في كل مكان على عمق أقل من ثلاثة أقدام كما يشير الى ذلك " باربور" Barbour: 111.

وتمتد المنطقة الشمالية لـ دارفور من خط العرض 12 ْ جنوباً الى الحدود الجنوبية على طول بحر العرب ويتجه الى الشمال والجنوب الى خط العرض 10 ْ. تمثل هذه المنطقة سهلاً طينياً مغطى في معظم أجزائه بالشجيرات الكثيفة، تمتاز المنطقة بهطول الأمطار بغزارة لتصل الى 25 و35 بوصة في العام. تتنقل في هذه المنطقة قبائل البقارة الرعوية الذين يمضون فصل الشتاء على طول بحر العرب والى ما ورائه، ويرتحلون بأبقارهم الى الشمال في اقليم القوز خلال موسم الأمطار.

وأخيراً، تمتد سلسلة جبال مرة شرق خط الطول 24 ْمباشرة، وتقسم الإقليم الى نصفين متساويين تقريباً. تشكل هذه السلسلة مستجمعاً للمياه بين حوض النيل وحوض بحيرة تشاد، وتبلغ مساحتها سبعين ميلاً عرضاًTothill 1948:851. ويحدد " جيلان" طول السلسلة بأربعين ميلاً والعرض بخمسة وثلاثين ميلاً، ولكنه يضيف قائلاً "من الصعب تحديد حدها الشمالي وتمتد السلسلة نفسها عند الارتفاع الأدنى الى مسافة اضافية معقولة شمالاً"Gillan 263.

التركيبة الاثنية في دارفور

تعيش في دارفور ثلاث مجموعات رئيسة : قبائل مستقرة، وأخرى بدوية وشبه بدوية غير ذات أصول عربية، وثالثة بدوية ذات أصول عربية. وتمثل دارفور كنزاً لغوياً غنياً إذ توجد بها 14 لغة.

أولاً المجموعات الاثنية ذات النمط الحياتي المستقر

الفور : وهي مجموعة اثنية تعيش على طول سلسلة جبل مرة، وهو إقليمهم العرقي ومعقل سلالتهم، ويتمددون غرباً حتى وادي أزوم ووادي باري. لازالت إشكالية أصول الفور مطروحة للنقاش. تتميز لغة الفور تماماً عن اللغة العربية، وهى غنية بالمفردات اللغوية ولها نظام معقد في التراكيب اللغوية والقواعد. وقد وصف " بيتون" في مقاله عن الفور نمط الاقامة قائلاً: "يتمركز السكان في القرى المكونة من أكواخ مستديرة من القش وذات سقوف مخروطية. ومن عادتهم أنه عندما يتزوج الشاب فإنه يقوم ببناء كوخه بجوار كوخ أبويّ العروس. ثم يقوم ببناء كوخ أكبر عندما يكبر الطفل الأول، وأكواخ اضافية للأطفال عندما يكبرون. وعندما تتزوج ابنته سيقوم زوجها بدوره ببناء كوخه بجوار منزل أبويها. وهكذا تنمو مجموعة من الأكواخ لمختلف أعضاء الأسرة الواحدة، كلهم داخل الحوش نفسه الذى تتسع مساحته من حوالي 400 ياردة الى أضعاف هذه المساحة" Beaton: 3.

يمارس الفور زراعة الذرة السكرية والدخن في الأرض المنخفضة في نهاية مايو ويقومون بحصادهما في نوفمبر وديسمبر. تشكل الذرة السكرية والدخن الغذاء الأساسي، مع أنهم يفضلون الذرة لكونها تعطي محصولاً وفيراً مقارنة بالدخن. كذلك يزرع الفور الذرة الشامية في أوائل موسم هطول الأمطار في الأراضي الحجرية الفقيرة غير البعيدة من الأكواخ ويقومون بتسميد التربة بروث الحيوانات. تحصد الذرة الشامية في يوليو وأغسطس، وتستخدم محصولاً أساسياً في حال نفاذ الذرة السكرية. أما المحاصيل المطرية الأخرى فهى الفول السوداني والفلفل والسمسم والبطيخ والقرع والطماطم. فوق كل ذلك تستخدم مياه وادي أزوم المنتظمة لزراعة المحاصيل الشتوية التى تحتاج الى ري، فهناك مساحات صغيرة تزرع بالبصل في كل قرية. كما أن فور تلال جبل مرة مشهورون بأنهم من أكثر الكادحين الزراعيين في دارفور، وتزرع كل محاصيلهم على المصاطب التى تغطي جوانب التلال الى ارتفاع تسعة ألف قدم، وتعتمد الزراعة هنا على الأمطار، لكنه وعلى مسافة قريبة توجد المياه الدائمة في الكثير من الوديان الجبلية حيث من الممكن أن تنمو المحاصيل بنظام الري في المصاطب الصغيرة والمصممة بدرجة عالية من حيث التقنية. هكذا يمكن زراعة محصولين أحدهما في الصيف محصولاً مطرياً، والآخر في الشتاء يبذر في ديسمبر/ يناير ويحصد في أبريل محصولاً مروياً. وتزرع خضروات مثل البامية والبطاطا كمحصولات مروية. تتم زراعة القطن في كل مناطق الفور وذلك للاستهلاك المنزلي، ويزرع مطرياً ويترك لمدة عام أو عامين أو أكثر دون أن يكون هناك موسم خاص لجمعه. انه يجمع بشكل متقطع طوال العام، وتملك كل قرية محلجها الخشبي ونولها. ويحتفظ الفور بأعداد كبيرة من الماعز والماشية والضان. كما أن الأبقار ذات السنام والسلالة الأفريقية تعد ذات قيمة كبيرة لألبانها وكثروة للعروس. أما الضان والأغنام فهى ذات قيمة نقدية قليلة ويتم بيع جلودها للدباغين كما يتم أكلها في المناسبات الخاصة.

تعيش نساء الفور حياة غير مقيدة ويشكلن جزءاً نشطاً من الجماعة مع الرجال، وتمتلك المرأة قطعة أرضها الخاصة، مع أنه عادة ما تكون أقل من قطعة الرجل.

الفور كلهم مسلمون، ولكل قرية مسجدها وإمامها وفقيهها. هناك نوع من الإسلام الشعبي المتميز بالابقاء على بعض المعتقدات القديمة الموروثة من أزمان ما قبل الإسلام، بخاصة المتعلقة باحتفالات اسقاط المطر.

المساليت : يقع الإقليم العرقي للمساليت في الحد الأقصى الغربي لـ دارفور بين خطي عرض 14,50 ْ و 12 ْ يحده من الغرب وادي اسونجا ووادي كاجى، ومن الشرق وادي باري ووادي أزوم. يمتد إقليمهم العرقي حوالي 140 ميلاً من الشمال الى الجنوب، ويتفاوت ما بين 70 الى 50 ميلاً طولاً في العرض بمساحة حوالي سبعة ألف ميل مربع وسط إقليمهم يتكون من رمال متموجة بالشجيرات الشوكية مع نتوءات صغيرة لا تشكل تلالاً كبيرة. جنوب الإقليم جبلي وتتركز فيه كثافة سكانية عالية. توفر وديان كاجا وأسونجا وباري المصادر المائية عند أعماق بسيطة، بينما في الأجزاء الداخلية للإقليم تكون الآبار عميقة. تقوم غالبية قرى المساليت على الأرض المرتفعة على بعد كيلو متر ونصف الكيلو من تلك الأودية، ويقوم السكان بتربية الماشية والضان ولا يقتنون الابل. المحصول الثابت هو الدخن، بينما تتم زراعة البصل على ضفاف الأودية الكبيرة. يوجد الحديد في كل أنحاء إقليم المساليت العرقي (دار مساليت) ويُصنع محلياً.

أصول المساليت غامضة وتحتاج الى دراسات أنثروبولوجية، لكنهم يدعون بشكل روتيني لأنفسهم نسباً عربياً حجازياً، ويقولون بأن لغتهم المميزة تم اكتسابها من السكان الأصليين حيث استقر نهائياً العرب المترحلون. لكن من الناحية الأنثروبولوجية فإن السحنة الزنجوية هى الغالبة عند المساليت مع أثر طفيف من الدم العربي الذى تم اكتسابه عن طريق التزاوج مع العرب الذين عاشوا بينهم بأعداد قليلة خاصة في الشمال. بالاضافة الى لغتهم الخاصة فإن اللغة العربية مفهومة في كل أنحاء إقليم المساليت العرقي. اكتسب المساليت سمعة مرعبة بوصفهم مقاتلين شرسين، وقد اعتادوا على اخافة جيرانهم بسبب أنهم يفتخرون بقوتهم على التحول الى حيوانات متوحشة، خاصة الضبع. 

الداجو والتنجر : هاتان المجموعتان الاثنيتان توجدان الآن في دارفور. كان الداجو تقليدياً هم أول سلالة حاكمة في دارفور، ويعيشون الآن على التلال الواقعة شمال شرق وجنوب شرق نيالا (كلمة نيالا في لغة الداجو تعني ثرثرة أو ونسة). يشتغل الداجو بالزراعة وتربية الماشية، وتعيش مجموعة منهم في دار سيلا الى الجنوب الغربي من دار مساليت. كانت دار سيلا طوال عهد السلطان على دينار محل نزاع على الحدود بين دارفور ووداي. أما التنجر فهناك فرضية تقليدية تقول بأنهم حلوا محل الداجو بوصفهم سلالة متفوقة في دارفور. يعيش التنجر في مجموعة صغيرة حول كتم شمالي دارفور ويتحدثون اللغة العربية فقط MacMichael 1926,vol.I: 84.

المجموعات الاثنية ذات النمط الحياتي البدوي وشبه البدوي

الزغاوة : أكبر المجموعات الاثنية التى تعيش في شمال غرب دارفور، وتنتشر من الحدود الغربية الى الشرق حتى حوالي خط طول 25 ْ. يتميزون اثنياً عن العرب، وتشير الدراسات الأنثروبولوجية الى أنهم ذو علاقة بـ التبو وقد تكون لهم صلة بالمجموعة البربرية الليبية. لغة الزغاوة متفرعة من لغة التبو. 

الزغاوة بدو يربون الابل والضان والماعز مع القليل من الأبقار رغم أن إقليمهم الحجري لا يناسب الابل مثل ما هو حال أرض القوز الى الشمال منهم. حتى قدوم الاستعمار الثنائي الانجليزي المصري اشتهر الزغاوة بوصفهم لصوص جمال. حتى اليوم فإنهم يعدون من أشرس المجموعات الاثنية الدارفورية. 

البديات : تعيش هذه المجموعة الاثنية في أقصى شمال دارفور. تعيش أغلبية هذه المجموعة الاثنية في صحراء إقليم " عنيدي" الذى كان يعرف حتى وقت قريب بأفريقيا الاستوائية الفرنسية على الحدود الشمالية الغربية للسودان، لكنهم ينتشرون حتى الركن الشمالي الغربي للسودان. وقد اعتادوا الإغارة مباشرة عبر الصحارى الشمالة للسودان حتى المناطق النهرية لـ دنقلا.

الميدوب : تعد جبال الميدوب الواقعة شمال شرقي دارفور معزولة تماماً، إذ يوجد الى الشمال صحراء تاما وعلى المرء أن يسافر غرباً وشرقاً أربعة أو خمسة أيام فوق سهل ممتد لا يوجد به سوى أعشاب قليلة وشجيرات منخفضة قبل أن يجد المياه بشكل دائم في إقليم الكبابيش أو الزغاوة على التوالي، والى الجنوب فإن أقرب آبار البرتي تقع على مسافة مسيرة يوم ونصف، وأقرب مكان من كل الجهات يتم الوصول إليه عبر سهل لا أشجار فيه. هكذا عبر قرون كان الاتصال الوحيد بين الميدوب والعالم الخارجي يتم من خلال الزيارات المتقطعة للكبابيش الرعاة أو الزغاوة الذين يأتون لشراء الملح الذى يستخرج من المنخفض الواقع في الركن الجنوبي الغربي والبالغة مساحته ميلاً وعمقه 300 قدم، والذى يحتوي على الملح الحجري على عمق غير كبير من السطح. وكذلك من قوافل الملح الآتية من دارفور والتى تتوقف للحصول على الماء في رحلة العودة من واحة النطرون الواقعة شمالاً. أما بالنسبة للميدوب أنفسهم فهناك مصادر لا تنضب من مياه الآبار والينابيع في الوديان العميقة التى تتدفق نحو السهل، ولهذا السبب يتم بناء القرى على المنحدرات الدنيا للتلال أو على السهل الواقع حول تلك التلال.

يحتفظ الميدوب بشكل أساسي بقطعان الضان والأغنام مع بعض الأبقار والابل، وهم مجموعات شبه بدوية لأنهم يقيمون المخيم في التلال طبقاً لأحوال المرعى، ويذهب معظمهم في موسم الأمطار مع قطعانهم الى المناطق غير المسكونة في الشرق حتى وادي الملك الذى يزوره الكبابيش أيضاً.

المجموعات الاثنية ذات النمط الحياتي المعتمد على رعي الابل

الزيادية : ويعدون الى حد بعيد أكبر المجموعات وأضخمها التى تقتني الابل في دارفور، وينتمون الى مجموعة قبائل فزارة التى ترعى الابل، وأشقاء قبيلة دار حامد في كردفان. كانوا يشكلون قوة كبيرة على عهد الاستعمار التركي المصري، لكنهم اضعفوا في أيام الثورة المهدية، مع ذلك كانوا يحتلون في عهد السلطان على دينار مساحة واسعة في شمال شرق دارفور بين الميدوب والبرتي.

يقوم الزيادية في شهور الصيف بسقي ابلهم من الآبار ويرعون داخل نصف قطر تبلغ مساحته خمسين ميلاً من مصدر الماء، كما تقام الخيام داخل نصف قطر مساحته خمسين ميلاً من مصدر الماء أيضاً. حالما تظهر السحب الممطرة يتحرك الزيادية جنوباً على أمل الحصول على مرعى في العشب الأخضر الذى نما على الأمطار المبكرة. ولا يتحرك الزيادية الى أبعد من حوالي خط العرض 13 ْ خوفاً من ذبابة التسي تسي. وعندما تجف مياه الأمطار تعود القطعان الى آبارها، والهدف هو العودة الى المخيم نفسه لعدة سنوات. ولا يتم سقي الابل خلال موسم الشتاء لعدة أشهر دون انقطاع لأن القطعان تتحرك شمالاً الى منطقة الجزو حيث يمكن للابل الرعي والحصول على الرطوبة الكافية الموجودة في الأعشاب الخضراء الخشنة Reid 1935:113-120.

المجموعات المستقرة ذات الأصول العربية

بني فضل: كان بنو فضل في أيام الحكومة التركية- المصرية قبيلة قوية جداً فس دارفور، وعاشت في مثلث شرقي دارفور، رأسه في الطويشة وقاعدته الفاشر- جبل الحلة. ومع أنهم فقدوا الكثير من مكانتهم خلال المهدية- فإنهم وجدوا بالتالي أن حكم على دينار لا يحتمل. وفي عام 1904 هاجر حوالي ثلثهم الى كردفان واستقروا في الشرق من النهود أما الباقون فقد سكنوا في منطقة صغيرة وسط دارفور عند الحدود الغربية لكردفان.

المسيرية: للمسيرية قرابة لصيقة بقبيلة الحمر التى تقطن جنوبي كردفان. ومع ذلك فإنهم في دارفور- رغم أنهم قبيلة مستقرة- فإنهم خلافاً لأبناء عمومتهم في كردفان- يحتلون منطقة صغيرة بين البرقد والداجو شمال شرق نيالا.

المعاليا : تعد المعاليا ذات قرابة مع قبيلة دار حامد في كردفان. وقد قسمت باستمرار بين دارفور وكردفان. عاشت أغلبية القبيلة قبل المهدية في دارفور، ولكن في عهد المهدية بدأ التحرك المنتظم للقبيلة الى داخل كردفان- وكانت في عهد على دينار أولى ضحايا هجماته- وزادت سرعة الهجرة الى كردفان ولكنها مع نهاية عهد على دينار بدأت في العودة مجدداً الى وطنها القديم في دارفور الذى يحده الرزيقات في الشمال الغربي MacMichael 1915: 43.

البدو رعاة البقر

تعرف القبائل البدوية التى تقتني الأبقار في السودان بشكل جماعي بـ البقارة. وقد استعملت الكلمة للقبائل البدوية وشبه البدوية التى تعيش ما بين خطي العرض 13 و 10 وتمتد من الأبيض حتى بحيرة تشاد. ويوجد في دارفور أربع قبائل رئيسة:

الرزيقات : وهم أشهر ثبائل البقارة وأغناها وأقواها. يحتلون منطقة تبلغ مساحتها 12 ألف ميل مربع شمال شرق دارفور، وينقسمون الى ثلاثة أقسام: الماهرية في الشرق والشمال؛ والنوابية في الغرب؛ والمحاميد في الشمال. يتكون إقليمهم في معظمه من الشجيرات الكثيفة عدا ما يتم تنظيفه لزراعة الدخن.

الهبانية : تعيش هذه القبيلة في دارفور وكردفان الى الغرب من الرزيقات في منطقة تبلغ ثلث منطقة الرزيقات وهم أقل بداوة من البقارة، ويزرعون دخناً أقل من الرزيقات وبعتمدون بشكل كبير على الأرز البري، وتنقسم القبيلة الى فرعين رئيسين: النارة والسوت.

التعايشة: ما زال التعايشة يعيشون غرباً الى مسافة أبعد من الهبانية الذين لهم معهم علاقة نسب قوية، ويحتلون الركن الجنوبي الغربي لـ دارفور- والقسمان الرئيسان هما قلادة واريك- وكانت قبيلة التعايشة في أيام الخليفة عبدالله من أقوى القبائل في السودان وأخطرها. وتم اقناع الآلاف منهم أو اجبارهم للارتحال الى امدرمان حيث وفورا الدعامة الأساسية لنظامه. وبعد دخول القوات الاستعمارية البريطانية- المصرية وهزيمة الثوار المهدويين، وبرغم عودة العديد منهم الى موطنهم فإنهم لم يستردوا أبداً ما كان لهم من سلطة سابقة إذ بقيت دارهم ذات كثافة سكانية قليلة.

بني هلبة : يعيش بنو هلبة شمال التعايشة. وكانوا في أزمان الحكومة الاستعمارية التركية- المصرية من أكبر القبائل وأغناها، إلا أن القسم الأعظم منهم دمر في المهدية، كما تعرضوا فيما بعد وبشكل مستمر لاضطهاد على دينار مما جعل أعداداص كبيرة منهم تهاجر الى ديار الرزيقات وسيلا وحمر، وبالرغم من أنهم بقارة، فإنهم يمتلكون بدرجة أقل الابل والضان.

ويمكن بشكل جيد فهم هجرات البقارة عن طريق طبيعة ديارهم، إذا أن ديارهم مكونة من سلاسل تلال رملية متناثرة هنا وهناك بأحواض ذات أرضية مغطاة بطمي صلب. والرعي في ديارهم أفضل من الأرض الطينية أو القوز اللتين تقعان الى الشمال، إذ أن تلك الأعشاب توفر الملح الذى تحتاجه حيواناتهم، كما أنها جيدة كعلف جاف. وهكذا فإن الهجرة تتألف من التحرك بعيداً عن الدار عندما يضطرهم شح الماء والمرعى والعودة إليهما حالما يتوفر ذلك.

وتشتي القبائل على طول بحر العرب أو في إقليم أرض الحديد الواقعة خلفه. ويعودون الى الديار في بداية الأمطار. ومع نمو العشب وتوفر المياه في البرك تتحسن صحة الحيوانات. ويتم الاحتفاظ بالماشية هناك الى أن يجبرهم تكاثر الذباب والحشرات الناتجة من المياه الراكدة على التحرك شمالاً للرعي في القوز. وخلال الفترة التى يمضونها في الديار يقومون بزراعة الحبوب على ثمم التلال في رعاية النساء العجائز عندما يذهب الرجال مع حيواناتهم شمالاً. وعند انتهاء موسم الأمطار تعاد القطعان الى الديار، وتشرب من المياه الموجودة في البرك وترعى العشب الجيد المتوفر، وعندما تجف البرك ينتهي الرعي حول الديار وتبدأ رحلة عجلى نحو المرعي الشتوي. وتوجد هذه المراعي بالنسبة لمعظم القبائل في الحزام الواقع شمال بحر العرب، ولكن هناك اختلافات، فالرزيقات يذهبون الى ما وراء النهر الى بحر الغزال حتى يصلوا الى منطقة ذبابة التسي تسي. ويشتي بنو هلبة على طوال الوديان الغربية لدارفور خاصة وادي أزوم، بينما يعبر العديد من التعايشة الحدود الى داخل إقليم دار سيلا. والتى تمضيها في الشمال صعبة بالنسبة للبقارة لأن الأعشاب الموجودة لا توفر علفاً جيداً للماشية، ويصبح الحصول على المرعى والمياه صعباً بشكل مضطرد، كما تصبح سقاية الماشية مرة كل يومين، ويأخذ فريق البقارة الشكل البيضاوي ويتم الاحتفاظ بالماشية في الوسط وتحاط بالزريبة لحمايتها من الحيوانات المتوحشة، وكل الأكواخ ذات سقف مستدير وأرضيتها بيضاوية الشكل وتبنى عادة في الصيف من القش أما في موسم الشتاء فتبنى من سعف النخيل على هيئة حصر مرفوعة على شُعب ويملك الرجل وزوجته في العادة حوالي العشرين بقرة. ويعد من الأغنياء من يملك أكثر من مائة بقرة. ولدى المرأة البقارية حرية كبيرة سواء قبل الزواج أو بعده. ولدى الفتاة القليل من الحرية الكاملة في اختيار زوجها الثاني. ويعني عدم الانجاب الطلاق. وعندما تكون المرأة مهددة بالطلاق فإنها تبحث عن وريث ومن هنا فإن قصة الحب تبدأ غالباً مع الزواج.

وليس لدى البقارة إلا القليل من وسائل الراحة، فهم غالباً ما يكونون على حافة الجوع إذ أن الأغنياء وحدهم الذين يستطيعون شراء الشاي واللحم، ولا يملكون وسائل لاتقاء المطر أو البرد، كما أن المستنقعات التى يعيشون وسطها طوال الوقت تعرضهم للإصابة بالأمراض، ومع ذلك فهم من بين أكثر القبائل جاذبية في السودان، لأن قياس الوقت الطويل الذى لا قيمة له قد مكنهم من تطوير الحديث الى فن جميل، ونما الضيق والحرمان الجلد والصبر، كما أن حياة التجوال خلقت عندهم روحاً استقلالية صارمة.

 

Sudan Government Gazette No. 847, 15 October 1952: 513; Sudan Almanace 1953:55.

Lampen G.D., ‘History of Darfur’, Sudan Notes and Records, vol. 31, part 2: 177.

Barbour K.M., ‘The Wadi Azum from Zalingei to Tlurnei’, Sudan Notes and Records, vol. 6: 111.

Tothill J.D., Agriculture in the Sudan, 1948: 851.

Gillan J.A., ‘Jebel Marra and Deriba Lakes’, Sudan Notes and Records, vol. 1: 263.

Beaton A.C., ‘The Fur’, Sudan Notes and Records, vol.29, part 1: 3.

Mac Michael H.A., A History of the Arabs in the Sudan, Cambridge 1926, vol. I: 84.

Reid J.A. 1935, ‘The nomad Arab Camel breeding tribes of the Sudan, In: J.A. de C.Hamilton (ed.),The Anglo-Egyptian Sudan from within, London: 113-120.

 


المصدر - موقع آركاماني